متحف اللوفر أبوظبي: إعادة تعريف العاصمة من خلال الفن
إن تاريخ متحف اللوفر مثير ومتعدد الطبقات تماماً كالأعمال الفنية التي يضمها. بُني في الأصل كقلعة في القرن الثاني عشر في باريس، ثم توسع ليصبح قصر ومقر لإقامة العائلة الملكية الفرنسية حتى نقل الملك لويس الرابع عشر العائلة المالكة إلى قصر فرساي عام 1682. بعد ذلك، أصبح المبنى مقر للفنانين تحت رعاية ملكية، ثم تحول لاحقاً إلى مساحة فنية عامة. وخلال الثورة الفرنسية، تم تحويله إلى متحف لعرض أبرز الأمثلة على الفن الوطني، وازداد أهميته في حقبة نابليون مع توسع مجموعاته، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر.
في الوقت الحالي، تشمل مقتنيات اللوفر مجموعة من أعمال عمالقة عصر النهضة مثل ليوناردو دا فينشي ورافائيل وساندرو بوتيتشيلي، بالإضافة إلى منحوتات تعود للعصور اليونانية والرومانية والمصرية القديمة. يمثل المتحف رمز عالمي للفن والتاريخ وله تأثير يتجاوز حدود أوروبا.
اللوفر أبوظبي: تعاون ثقافي مميز
في عام 2007، تم توقيع اتفاقية تاريخية للتبادل الثقافي بين الحكومتين الفرنسية والإماراتية، مزجت بين خبرة فرنسا التاريخية ورؤية الإمارات المستقبلية. وكانت حجر الأساس لهذه الاتفاقية إنشاء متحف اللوفر أبوظبي، الذي يمثل فصل جديد في تاريخ المتحف المرموق وبداية لعصر جديد من الفن في العالم العربي.
متحف عالمي بتوجه فريد
يصف اللوفر أبوظبي نفسه كأول متحف عالمي في العالم، يحتفي بتنوع التاريخ البشري مع التركيز على القواسم المشتركة التي تجمعنا. تعكس هذه الفلسفة تنوع سكان المنطقة بشكل متزايد، وتظهر جلية في كل جانب من جوانب المتحف. تمتد معروضاته عبر عصور التاريخ وما قبل التاريخ، ويجمع تصميم المبنى بين الطرازين الفرنسي والشرق أوسطي. يقع المتحف في جزيرة السعديات ضمن منطقة السعديات الثقافية، بالقرب من ساحل مدينة أبوظبي.
بدلاً من تقسيم المعروضات إلى أجنحة مخصصة لمناطق جغرافية معينة، يُنظم المتحف معروضاته زمنياً. يخلق ذلك تجربة متماسكة تمكّن الزوار من استكشاف القطع الأثرية من مناطق مختلفة في العالم في نفس الحقبة الزمنية، مما يعزز فهم أعمق لتطور الحضارة البشرية.
جسر بين الماضي والمستقبل
تعرض مقتنيات اللوفر أبوظبي مزيج متناغم من الحضارات، حيث يمكن العثور على عملات نادرة من الإمبراطورية المقدونية بجانب خزفيات من عهد سلالة يوان ومنحوتات أفريقية. وكما هو متوقع، يشكل الفن ركيزة أساسية للمتحف، مع أعمال لفنانين من اليابان الإقطاعية وبلاد فارس القديمة وعصر النهضة الإيطالي. ومع ذلك، لا يقتصر المتحف على التاريخ فحسب؛ فهو ملتزم بتسليط الضوء على الأصوات الفنية في المنطقة، من خلال استضافة معارض منتظمة لفنانين محليين ومعاصرين.
ويضم المتحف "متحف الأطفال"، الذي يقدم أنشطة وورش عمل وتجارب موضوعية تهدف إلى تحفيز الفضول وحب التعبير الذاتي لدى الأطفال. ومن التجارب الحديثة، تجربة "تصوير الكون"، التي تركز على تطور فهمنا للفضاء عبر القرون.
تعتمد العديد من معروضات المتحف، خاصة الأوروبية، على إعارات من متحف اللوفر في باريس. ويتم اقتناء معروضات أخرى بعناية من خلال شراكة مع وكالة "فرانس ميوزيم"، التي تمثل 17 من أبرز المؤسسات الثقافية الفرنسية.
احتفاء بالعمارة الإقليمية
صُمم متحف اللوفر أبوظبي بواسطة المهندس المعماري الفرنسي جان نوفيل، الذي حاز على جوائز عديدة. يتميز التصميم بقبته المعدنية الضخمة، التي استوحيت من العمارة التقليدية في الشرق الأوسط وأوروبا. تحمل القبة نمط هندسي من النجوم المتشابكة، يخلق تأثير فريد يُعرف باسم "مطر الضوء"، حيث تحاكي أشعة الشمس المتسللة بين أوراق النخيل. وعلى الرغم من وزنها الكبير الذي يعادل برج إيفل، فإن التصميم الذكي للقبة يجعلها تبدو وكأنها تطفو فوق المتحف.
يمتد المتحف على 55 مبنى، منها 23 معرض، وهو مصمم ليشبه قرية بحرية صغيرة، مستوحاة من البيوت التقليدية منخفضة الارتفاع.
نهضة ثقافية في أبوظبي
باعتبارها عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، تُعد أبوظبي مركز للسلطة الحكومية والإدارية، وحارس للتراث والثقافة الوطنية. وفي السنوات الأخيرة، وسّعت أبوظبي نطاقها الثقافي لتصبح مركز عالمي للفنون، مشابه لدور باريس في أوروبا. كان متحف اللوفر أبوظبي جزء من المرحلة الأولى لهذه النهضة الثقافية، مما أطلق موجة جديدة من التعبير الفني في الإمارات.
تضم المنطقة الثقافية في السعديات مشاريع أخرى، مثل متحف جوجنهايم أبوظبي الذي سيفتتح في 2025، ومتحف زايد الوطني، ومتحف التاريخ الطبيعي. في قلب هذه الجهود، يأتي "منارة السعديات"، وهي مؤسسة تهدف إلى دعم المواهب المحلية من خلال ورش عمل ومعارض ومبادرات إبداعية.
لقد أصبحت أبوظبي رائدة الفن في الشرق الأوسط، برؤية تجمع بين وجهات نظر ثقافية متنوعة، وتعرض الوسائط التقليدية والمعاصرة. من خلال تصميم مبتكر وشراكات دولية واستثمارات في علامات بارزة مثل "سوذبيز"، ستواصل الإمارة إعادة تعريف الفن ليس فقط على المستوى الإقليمي، ولكن عالمي أيضاً.