في القرن السادس عشر بمدينة فلورنسا، قامت عائلة ميديشي الحاكمة بتحويل المدينة من مركز تجاري ومصرفي إلى عاصمة ثقافية تعج بالإنتاج الفني. بينما ركز الحكام الآخرون على الحروب والمشاريع الأسرية، استثمرت عائلة ميديشي مواردها بشكل كبير في دعم الفنانين والمفكرين، مما جعل رعاية الفنون أداة للنفوذ السياسي والثقافي لأول مرة. كان دعمهم لشخصيات مثل دافنشي ومايكل أنجلو وبوتيتشيلي سبب في نشوء عصر النهضة، الذي وضع إيطاليا كعاصمة ثقافية عالمية لسنوات قادمة.
اليوم، في منطقة صحراوية بعيدة عن إيطاليا، تشهد أبوظبي نهضة ثقافية جديدة. خلال السنوات الأخيرة، برزت العاصمة الإماراتية كراعٍ للفنون والثقافة، حيث استثمرت مبالغ ضخمة في مؤسسات مثل متحف اللوفر أبوظبي ومتحف غوغنهايم المرتقب افتتاحه قريب، مما حول جزيرة السعديات إلى مركز ثقافي. كما خصصت العاصمة مليار دولار لدار "سوذبيز"، أقدم دار مزادات في العالم. إلى جانب رعاية الفن، أنشأت أبوظبي مشهد ثقافي ومعماري غني، يشمل مسجد الشيخ زايد الكبير والمتحف الوطني المستوحى من الصقور. فيما يلي استعراض لبعض المؤسسات التي تقود هذه النهضة الثقافية.
متحف اللوفر أبوظبي
يُعد متحف اللوفر أبوظبي من أبرز المباني التي تشعل الخيال. تأسس في عام 2017 كأول متحف عالمي في العالم العربي، ليؤكد مكانة أبوظبي على الساحة الفنية العالمية. يتميز تصميمه المعماري المعاصر بطابع عربي، خاصةً قبة المشربية الهندسية المكونة من حوالي 8000 نجمة متداخلة. صمم القبة المهندس الحائز على جائزة بريتزكر، جان نوفيل، تستلهم حركة الأجرام السماوية وتلقي "أمطار الضوء" بفضل أشعة الشمس التي تخترقها.
ما يميز اللوفر أبوظبي هو انسجامه مع محيطه الساحلي الهادئ. يحيط بالممرات الخارجية ماء البحر، مما يتيح للزوار الوصول إليه براَ أو بحراً.
يقدم المتحف مجموعة مذهلة تضم أكثر من 120 عمل فني من شخصيات مثل فان غوخ وبيكاسو ودافنشي، بالإضافة إلى أعمال لفنانين معاصرين مثل بيت موندريان. يعرض المتحف تحفًا تاريخية مثل تمثال الصقر من شبه الجزيرة العربية (2000 ق.م)، وتمثال شيفا الراقص من الهند في القرن العاشر، و تمثال رخامي للإمبراطور أغسطس من روما عام 27 ق.م.
متحف غوغنهايم أبوظبي
من المشاريع المنتظرة بشدة على جزيرة السعديات هو متحف غوغنهايم أبوظبي، الذي صممه المهندس المعماري الشهير فرانك جيري. يتميز المبنى بتصميم جريء يعكس التجريبية ما بعد الحداثة، حيث تتداخل الأقماع والمكعبات غير المتماثلة مع مواد صناعية وزخارف هندسية إسلامية. سيكون هذا المتحف الأكبر بين متاحف مؤسسة سولومون آر. غوغنهايم، بمساحة تبلغ 320,000 قدم مربع، ومن المقرر افتتاحه لاحقاً هذا العام.
بينما يغطي اللوفر أبوظبي فترات زمنية تمتد من ما قبل التاريخ إلى الحاضر، يركز غوغنهايم أبوظبي بشكل خاص على الفن المعاصر. ووفقاً لمدير المشروع ستيفاني روزنتال، فإن المجموعة الفنية تم تطويرها بعناية فائقة على مدى 15 عام. يسعى المتحف إلى تعزيز مكانته العالمية من خلال دعمه للفنانين والباحثين من الإمارات وخارجها.
متحف زايد الوطني
من المقرر افتتاح متحف زايد الوطني على جزيرة السعديات في وقت لاحق من هذا العام، ليكون تكريم لحياة وإرث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات. يتميز المبنى بخمسة أبراج فولاذية مستوحاة من أجنحة الصقر أثناء الطيران، حيث تقع المعارض تحتها. التصميم ينسجم مع البيئة المحيطة، حيث تعمل الأبراج كمدخنة حرارية لتبريد المبنى بشكل طبيعي.
في الداخل، يعرض المتحف تاريخ الإمارات، بما في ذلك الكنوز الأثرية التي تحكي قصة المنطقة من العصر الجليدي حتى اليوم. يمكن للزوار أيضًا التعرف على تاريخ الإسلام واللغة العربية، إلى جانب حياة الإمارات البدوية كأمة بحرية. يعد المتحف مركز للمعرفة والتبادل الثقافي.
مسجد الشيخ زايد الكبير
يعد مسجد الشيخ زايد الكبير من أبرز معالم العمارة الإسلامية الكلاسيكية وتصميمه يعكس العظمة والتفاني. مستوحى من التقاليد العثمانية والفارسية والمغولية، يضم المسجد 82 قبة مكسوة بالرخام الأبيض اللامع. استغرق بناؤه 11 عامًا، وتبرز عظمته من خلال السجاد اليدوي الأكبر في العالم والثريات المزيّنة بملايين كريستالات سواروفسكي.
إلى جانب دوره كمكان للعبادة، يحتوي المسجد على مكتبة واسعة ومتحف "النور والسلام"، الذي يستعرض الحضارة الإسلامية من خلال أعمال فنية وتحف وتجارب تفاعلية حسية.
معارض الفن والمراكز الإبداعية المستقلة
بينما تحظى أسماء مثل اللوفر وغوغنهايم بشهرة عالمية، تسعى أبوظبي إلى تمكين المجتمع الإبداعي المحلي. يمثل "منارة السعديات" في جزيرة السعديات مثالاً على هذا التوجه، حيث يحتضن برامج إقامة فنية وورش عمل ومعارض متجددة، بالإضافة إلى مساحات تجمع تهدف لتعزيز الحوار بين الفنانين.
وفي منطقة ميناء زايد، يُبرز مجمع الفنون 421 (المعروف سابقاً باسم Warehouse421) الطاقة الإبداعية للعاصمة. يحتضن المجمع برامج متعددة لدعم المبدعين الناشئين في الإمارات، ويعمل كمنصة للتحول الاجتماعي من خلال الفنون.
